الأخطاء الطبية؛ الأسباب والحلول لتفاديها والحد منها
د. خالد عبد الكريم المؤيد
كلية الطب و العلوم الصحية – جامعة صنعاء
الأخطاء الطبية (بالإنجليزية: Medical errors) هي عبارة عن أخطاء يتم ارتكابها في المجال الطبي نتيجة انعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطبيب الممارس أو الفئات المساعدة أو هي نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج أو نتيجة حالة طارئة يتطلب السرعة على حساب الدقة أو نتيجة طبيعة العلاج المعقد تصل نسبة حالات الوفاة نتيجة خطأ طبي إلى معدلات عالية سنويا˝ في معظم أنحاء العالم ومنها الدول المتقدمة.
إن العمل الطبي هو نشاط يتوائم في كيفية وظروف أدائه مع القواعد والأصول الراسخة في علم الطب ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض وهو لا يصدر إلا من شخص مرخص له قانوناً بمزاولة مهنة الطب ومن أهم ما يتطلَّبه القانون لإعطاء هذا الترخيص حصول طالبه على المؤهل الدراسي الذي يؤهِّله لهذه المهنة اعتباراً بأن الحاصل على هذا المؤهل هو وحده الذي يستطيع أن يباشر العمل الطبي طبقاً للأصول العلمية المتعارف عليها والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجياً أي يستهدف بالدرجة الأولى تخليص المريض من مرض ألمَّ به أو تخفيف حدته أو تخفيف آلامه. يُعَدُّ كذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة أو مجرد الوقاية من مرض وأن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للقواعد والأصول العلمية المقرَّرة وعلى ذلك بمعنى أن الطبيب غير مسئول عن نتيجة العلاج إذا قام بأداء واجبه كاملا˝ حسب الأصول الطبية.
الأخطاء الطبية ليست بالموضوع الجديد ولكن لم يتم الاهتمام بها بشكل جاد حتى عام 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تكفلت الحكومة الأمريكية بالتحقيق في قضية خطأ طبي , و في عام 1999 نشرت نتائج التحقيق و نتيجة لذلك أمرت الحكومة بتكوين منظمه لتحليل الأخطاء الطبية وسلامة المرضى وطرح توصيات للتطوير.
أول تقرير رفع من قبل المنظمة الطبية عن الأخطاء الطبية في الشهر الثاني من السنة 2000 الميلادية. تضمن التقرير إحصائية لعدد الأشخاص الذين يتوفون سنويا˝ نتيجة الأخطاء الطبية التي يمكن تفاديها وقد وصل عددهم من 44,000 إلى 98,000 سنويا˝ في الولايات المتحدة الأمريكية وكان مجمل تكلفة هذه الأخطاء بالمستشفيات سنويا˝ ما بين 17 بليون إلى 29 بليون دولار أمريكي. وتصل نسبة الإصابات الأخرى كما ورد بالتقرير إلى مليون متضرر سنويا˝ في الولايات المتحدة الأمريكية.
تتفاوت معدلات الأخطاء الطبية بالعالم ولكن المعدل الحقيقي غير معروف في أغلب دول العالم وذلك بسبب القصور في الإبلاغ عن بعض الأخطاء الطبية من قبل العاملين بالقطاع الصحي ومن قبل المراجعين أيضا˝. والتهاون بالإبلاغ عن الأخطاء الطبية له أسباب عديدة منها خوف العاملين بالقطاع الصحي من العقاب أو من تحمل المسؤولية وبالنسبة للمراجعين خوفهم من عدم الاهتمام بهم من قبل العاملين بالقطاع الصحي إذا ما قاموا بالإبلاغ عن الأخطاء أو لقناعتهم أنهم لن يستفيدوا من الإبلاغ وانه لن يسمعهم احد. ومن الأسباب المهمة لعدم الإبلاغ هو عدم وجود نظام واضح للإبلاغ والتعامل مع هذه الحالات.
في الشرق الأوسط لا توجد معلومات كافية تدل على معدلات الأخطاء الطبية ونسبة الضرر الحاصل من جرائها. غالبا˝ ما نسمع عن بعض القصص في الجرائد أو وسائل الإعلام الأخرى عن بعض الأخطاء الطبية في بعض المستشفيات وما نتج عنها من أضرار ولكن هذه القصص لا تعكس الحقيقة الحاصلة لا بالكيف ولا بالكم.
في الجمهورية اليمنية لا توجد إحصاءات متعلقة بمعدل الأخطاء الطبية. يعود ذلك لتعدد الإدارات الطبية وقصور في تبادل المعلومات في ما بينها وعدم وجود مركز موحد للبلاغات عن الأخطاء الطبية أو منظمة معنية بهذا الشأن. أغلب الحالات المعلن عنها إما حالات مقدمه للقضاء من قبل المتضرر أو أحد ذويه للنظر فيها بأحد اللجان الطبية الشرعية التي تم تعينها للبت بهذه القضايا في عدد من أرجاء الجمهورية أو قصص نشرت في مصادر الإعلام المحلية.
الأسباب:
أما عند النظر الى أسباب الأخطاء الطبية نجد أنها متنوعة و لم يتم حصرها جميعا˝. ومن المهم جدا معرفة أسباب الأخطاء الطبية لوضع حلول لتفاديها والحد منها. و يمكن تقسيم أسباب الأخطاء الطبية إلى الفئات التالية:
* أخطاء التواصل ونقل المعلومات و تعد من أكثر أسباب الأخطاء الطبية شيوعا˝ وقد تحدث على جميع المستويات بين الفريق الصحي الواحد أو الأقسام المختلفة. مثل صرف علاج بدل علاج مشابه بالاسم أو إعطاء جرعة مضاعفة بسبب عدم وضوح الرقم أو إعطاء معلومات غير واضحة بين قسم الإسعاف وأقسام التنويم أو اختلاط الملفات وتشابه الأسماء بين المرضى أو إعطاء تشخيص غير صحيح للمريض بناء على نتيجة تحاليل خاطئة أو مسجلة بإسم مريض ثاني.
*عدم توفر المعلومات مثل تأخر وصول نتائج التحاليل بالوقت المناسب في حالات الإسعاف أو عدم توفر نتائج التحاليل التي قد يعتمد التشخيص وصرف العلاج على أساسها أو فقدان المعلومات الطبية عن المريض عند نقله من قسم طبي إلى قسم أخر.
* أخطاء متعلقة بالمريض أو المراجع بالقطاع الصحي و تشمل الفشل في تمييز المريض (اللبس بين المرضى بسبب تشابه الأسماء أو اختلاط الملفات) أو عدم فحص المريض وتقييم حالته بشكل جيد أو عدم الحصول على الموافقة من المريض لأي من الإجراءات الطبية أو عدم توضيح الحالة للمريض أو تشتت المريض بالمتابعة بين عدد من الاختصاصين واختلاف أماكن العلاج، فعندما يتابع المريض عند عدة أطباء في عدد من المستشفيات أو المراكز الطبية مع عدم توفر ملف للمريض يوضح حالته أو الأدوية المعطاة له فقد يتم إعطاء المريض أدوية قد تتعارض مع بعضها مما يؤدي إلى نتائج سلبية وغير مستحبة.
* الأخطاء البشرية هي أخطاء ناتجة عن عدم إتباع الأنظمة والإجراءات والتوجيهات الطبية مثل القصور في تدوين التاريخ المرضي أو الأدوية المستخدمة في ملف المريض أو عدم تسجيل أنواع الحساسية التي يعاني منها المريض في ملفه الطبي، أو قد تكون أخطاء من الأشخاص العاملين نتيجة الإجهاد الزائد وكثرة العمل، وقد تكون بسبب نقص المعلومات الطبية الضرورية للطبيب أو احد العاملين بالقطاع الصحي مما يؤدي إلى تأخر تقديم العلاج أو الإجراء المناسب في الوقت المناسب.
* نقص التدريب مع تغير الطاقم الطبي فمثلا˝ عند غياب أحد العاملين بالقطاع الصحي وتوليه مهامه لمن ينوب عنه ممن قد يكون ليس متمكنا˝ أو لا تكون لديه المعلومات المهمة للقيام بهذا العمل قد يؤدي إلى العديد من الأخطاء الطبية.
* أخطاء تقنية كوضع اسم علاج على حاوية علاج آخر أو وضع فصيلة دم مختلفة على قربة الدم.
* فشل في الأجهزة مثل خلل في المضخة الوريدية مما يؤدي إلى إعطاء جرعة زائدة أو ناقصة من العلاج.
* تشخيص خاطئ قد يكون بسبب قلة المعلومات الطبية لدى الطبيب المعالج أو عدم توفر الإمكانيات التشخيصية أو لخطأ بالتحاليل أو الإجراءات الطبية.
* نقص بالإمكانيات الطبية كعدم توفر أجهزة للأشعة مما يؤدي إلى التشخيص الخاطئ أو تأخر العلاج.
* خلل في التصميم المعماري للمبنى الصحي كعدم توفر أجهزة إنذار الحرائق في المبنى أو عدم وجود مخرج للطوارئ، أو عدم توفر الدعامات في دورات المياه لمساعدة المرضى على التحرك مما قد يسبب في سقوط المريض.
* عدم كفاءة الأنظمة والإجراءات وهذا من أهم أسباب الأخطاء الطبية لأنه مع وجود نظام جيد ودقيق لتفادي الأخطاء وضمان سلاسة الإجراءات يتم تلافي أكثر الأخطاء الشخصية و اكتشافها قبل وصولها إلى المريض مثلا عند وجود نظام داخل المستشفى يتيح للصيدلي التأكد من أن جرعة الدواء مناسبة لعمر و وزن وحالة المريض سوف يتم إيقاف الدواء الغير المناسب قبل صرفه للمريض.
الحلول:
ولتفادي الأخطاء الطبية يجب أن توضع قضية الأخطاء الطبية من أولويات المسئولين والتعامل مع الخطأ الطبي بموضوعية والبحث عن الأسباب والحلول لا محاولة وضع إصبع الاتهام على الأشخاص والاعتقاد أنه بعقاب المخطئ نكون قد حللنا المشكلة.
ولتقليص معدل الأخطاء الطبية بداية يجب الاعتراف بوجود المشكلة وعدم محاولة إخفائها أو التستر عليها و هنا سوف نوجز بعض المقترحات للحيلولة دون ارتفاع معدل الأخطاء الطبية:
* الإيقان بان الخطأ الطبي ليس مسؤولية فرد ولكن هو مسؤولية مشتركة وان الخطأ لا يصل إلى المريض إلا بالمرور على عدة مخطئين إن صح التعبير بمعنى أن الخلل ليس بالأفراد ولكن بالنظام الذي سمح بوصول الخطأ للمريض أو المراجع.
* إنشاء برنامج مستمر لتقليص الأخطاء الطبية والتوعية المستمرة بهذا النطاق.
* تشجيع العاملين والمراجعين بالقطاع الصحي للإبلاغ عن الأخطاء الطبية من أولى الخطوات التي يجب تعزيزها وذلك بوضع طريقة تساعد على الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث والنظر إليها بايجابية لحلها وعدم التعامل معها بطريقة البحث عن المجرم وعقابه لأن ذلك سوف يمنع العاملين عن التبليغ.
* إيجاد وسائل سهلة للإبلاغ عن الأخطاء الطبية عن طريق الانترنت والهاتف المخصص للبلاغات والاستمارات الورقية.
* التعامل مع الأخطاء الطبية بطريقة التحليل لمعرفة سبب المشكلة وإنشاء نظام لعدم تكرار هذا الخطأ.
* إخضاع الأجهزة الطبية إلى معايير ثابتة ووضع إجراءات وقائية لتفادي الأخطاء البشرية.
* تهيئة مناخ العمل للعاملين بالقطاعات الصحية من تقليل ساعات العمل وإعادة النظر في نظام المناوبات ومراعاة عدد المرضى للطبيب الواحد بحيث يعطى المريض حقه من قبل الطبيب.
* تصميم المباني الصحية بطريقة تقلل من الحوادث والسقوط وسهولة الأداء الوظيفي.
* استخدام التقنية الحديثة التي تساعد على إعطاء الجرعات الصحيحة للمرضى والتنبيه عند اختلاف الجرعات أو تغييرها.
* وضع نظام للتأكد من إعطاء العلاج الصحيح للمريض وخصوصا˝ في الأدوية الوريدية والتي يكون الخطأ بها مميتا˝ مثل التأكد من زمرة الدم المعطاة للمريض أنها الزمرة الصحيحة من قبل الممرضين.
* زيادة الوعي عند المرضى والمراجعين وتثقيفهم صحيا˝ وتشجيعهم على التفاعل الايجابي بخصوص الرعاية الصحية المقدمة لهم.
* التعاون بين المنشئات الصحية المختلفة لإنشاء منظمات متخصصة لتقليص الأخطاء الطبية ووضع خطط للعمل وتبادل المعلومات الطبية بينها.
وعند النظر في حل هذه المشكلة يجب عدم إهمال الدور الكبير الذي يقع على عاتق المريض فمن المهم معرفة أنه كما للمرضى حقوق فعليهم واجبات أيضا˝ فمن واجبات المريض والمراجع في القطاع الصحي أن يكون مسؤولا˝ عن صحته وضمان تقديم خدمه آمنه له وذلك من خلال:
* سؤال الطبيب عن العلاج المعطي كنوعه و جرعاته وتكراره والإجراءات المقدمة بتفصيل وكيفية عملها، والطلب من الطبيب أو الصيدلي أو الممرض إعادة الشرح في حالة عدم الفهم.
* الاحتفاظ بقائمة عن الأدوية التي يأخذها المريض حتى الأدوية التي تؤخذ بدون وصفة وتقديمها للطبيب عند المراجعة أو عند الحاجة.
* السؤال عن نتائج التحاليل و الإجراءات المعمولة للمريض وما معناها بالنسبة له.
* فهم خطة العلاج والخيارات المتاحة ومشاركة المريض للطبيب بإختيار الخطة المناسبة له.
* وعند الحاجة لعملية يجب فهم مدى الحاجة لها وطريقة إجرائها بوضوح وما سيحصل خلال العملية واحتمالات المضاعفات لا سمح الله.
المراجع:
د.علا محمود بابللي، المملكة العربية السعودية، 2009.
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title
Search
News
رئيس جامعة الناصر يشارك في اجتماعات مجلس اتحاد مجالس البحث العلمي العربية ببغداد
شارك الأستاذ الدكتور عبد الله حسين طاهش أمين ال...كادر جامعة الناصر يشارك في المسير الشعبي لقوات التعبئة العامة
شارك كادر جامعة الناصر صباح يوم الخميس، في المس...رئيس الجامعة يجري زيارة تفقدية للقاعات الدراسية للاطلاع على سير العملية التعليمية.
اجرى رئيس جامعة الناصر الاستاذ الدكتور عبدالله ...جامعة الناصر تنظم وقفة تضامنية بعنوان ” ثابتون مع غزة.. ومستمرون في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي”
نظمت جامعة الناصر صباح اليوم الاربعاء الموافق 1...فريق كلية العلوم الادارية بطلاً للدوري الداخلي لكرة القدم بجامعة الناصر
تُوج فريق كلية العلوم الادارية والمالية بجامعة ...